ملاحظات مبدئيــــة
على البنود الضريبية الواردة في مشروع قانون الموازنة العامة
لسنة 2019
- تقويم عام:
- درس موازنة سنة 2019 وقد شارفت السنة على إنقضاء نصفها وقد أنفق ما أنفق من إعتمادات لم يعد من المجدي الموافقة عليها أو إقرارها. كان يقتضي بالأحرى إعداد موازنة العام 2020 ضمن هذا العقد العادي المخصص لها وقطع حساب السنة 2018.
- غياب أي طابع إصلاحي بنيوي حقيقي في المالية العامة كما وفي المرافق العامة، وإصلاح السياسة الضريبية غائب؛ رغم بعض التدابير والمقترحات الإصلاحية المشجعة التي تهدف إلى ضبط التبذير والإنفاق غير المجدي ولجم التهريب والتهرب الضريبي (سيما عن طريق إحصاء المكلفين)؛ إلا أن الموازنة المقترحة جاءت تقليدية مغيبة للرؤية الإقتصادية وتتعارض كلياً مع أي نية للإصلاح الشامل.
- الاستمرار في ترصيد نفس الإعتمادات للنفقات الجارية غير المنتجة المخصصة في مجملها لخدمة الدين وللدعم وتأمين مخصصات الرواتب والأجور والتعويضات وملحقاتها في القطاع العام وعجز كهرباء لبنان لا بل زيادتها.
- عدم الشروع في الإصلاحات الهيكلية والبنيوية الموعودة التي من شأنها ضبط الهدر والتبذير وترشيد الإنفاق في المالية العامة والقطاع العام بإستثناء زيادة الأعباء على كهل القطاعات المنتجة والمكلفين الملتزمين (Mazarin/Colbert)← زيادة شطر (25%) على ضريبتي الدخل (للأفراد) على الأعمال التجارية والصناعية والمهنية كما والرواتب والأجور. وهذا ما هو متعارض مع المنطق الإقتصادي السليم الذي يتجنب زيادة النسب في الحالات الإنكماشية والتباطؤ الإقتصادي ويستبدلها بتدابير لتوسيع قاعدة التكليف والمكلفين.
- قانون الموازنة هو قانون ذو طبيعة خاصة يعرض برنامج زمني محدد (لسنة مبدئياً) وهو برنامج الحكومة وخطتها الإقتصادية والإجتماعية والإنمائية للسنة القادمة بينما سائر القوانين الأخرى تُوضع مبدئياً لمدة غير محدودة. فما هو هدف الحكومة في هذا المشروع غير إحترام إلتزامات لبنان التقشفية وتخفيض العجز وزيادة الواردات؟ وهل من الممكن تخفيض العجز إلى الرقم الموعود (7,6% تقريباً) وقد شارفت السنة على إنقضاء نصفها وأنفق ما أنفق وتم تحصيل ما هو متوجب على أساس الأرقام السابقة لتاريخ دخول التعديلات حيذ التطبيق.
- المشروع تنقصه الإجراءات الواضحة لمكافحة البطالة والحدّ من الهجرة وتحفيز النمو والإنماء المستدام كونه شبه خالٍ من أي مخطط تنظيمي أو برنامج مدروس ومنسق ومتكامل يطمح إلى إجراء نقلة نوعية على هذا الصعيد ما عدا بعض الحوافز النادرة والتي تم تكرير معظمها عن موازنات سابقة ولم تأتي بنتيجة كونها أقرّت بمعزلٍ عن أي تدباير وإجراءات أخرى موازية وملازمة (مثال تحفيز توظيف اليد العاملة المحلية؛ إعادة التقييم الإستثنائية للأصول الثابتة بمعدلات منخفضة؛ تخفيض رسوم التسجيل العقارية؛ الإعفاء من الغرامات والتسويات الضريبية لحمل المواطنين على الإلتزام الضريبي وزيادة الإيرادات؛ وإلخ.).
- يُفترض للوصول إلى النمو الحقيقي الكفيل بتأمين زيادة الواردات الضريبية من خلال النشاط الإقتصادي وخلق فرص عمل، زيادة حجم الإستثمار الداخلي والخارجي عن طريق جذب المستثمرين كما والإستهلاك الفردي والصادرات وفرص العمل الموازية والملازمة وتقوية الإنتاجية والتنافسية وتحسين بيئة الأعمال وبث الثقة← كله مرتبط ب CEDRE ؟ وماذا عن الخطة الرديفة Plan B ؟
- في علم الإقتصاد يعوّل على زيادة الإنفاق وقت الأزمة بزيادة التوظيفات الإقتصادية من قبل الدولة ما من شأنه أن يحرك الإقتصاد (Keynes & Milton Friedman).
- إيرادات الدولة لا تكفي لتغطية نفقاتها وسيما منها الأساسية التي تمثلها خدمة الدين (32,3%) والرواتب والأجور والتعويضات في القطاع العام (36,9%) كما والتحويلات إلى كهرباء لبنان.
- تم إخضاع معاشات التقاعد في القطاع العام للضريبة على غرار ما هو معمول به في العالم إلا أن ذلك لم يأتي نتيجة تحضير وتشاور وتفسير مسبق أو تأمين خدمات مقابلة.
- ما هي الأسباب الموجبة الكامنة وراء تعديل (المادة الثلاثون) عبارة “فوائد وإيرادات سندات الخزينة اللبنانية بسندات الخزينة بالعملة اللبنانية؟
هذا، وقد إقتصر هدف المشروع بصورة رئيسية في البحث عن مصادر ضريبية لزيادة الإيرادات وتخفيض العجز بدلاً من الإنفاق الفعّال والمجدي في سبيل التنمية المستدامة. وقد جرى ترحيل نفقات وإلتزامات متوجبة وثابتة على السنين اللاحقة لإحترام الرقم الذي جرى الإلتزام به ومنها ما من شأنه تخفيض النفقات التشغيلية غير المجدية (تشييد أبنية حكومية في سبيل الإستغناء عن إستإجار الأبنية الرسمية والحكومية). هذا وقد تم إلغاء وإستحداث قوانين برامج مقارنة مع قانون الموازنة رقم 79 للعام 2018 دون إعطاء أي تفسير أو تبرير. مع الإشارة إلى شبه غياب أي إشارة إلى إلتزامات وديون الدولة تجاه بعض الأطراف التي نفذت إلتزامات لمصلحتها (أشغال ومشاريع عامة وديون المتعهدين والمستشفيات بما يزيد عن 700 مليون دولار أميركي كمجموع عام ناهيك عن المترتبات للضمان الإجتماعي المتراكمة منذ سنوات والمتوجبة على الدولة مع غراماتها). وهذا، إن دلّ على الشيء، فهو يدّل على الهروب إلى الأمام وتكحيل الأرقام وإخفاء المتوجبات لإعطاء الإنطباع بأنه قد تمّ التقيّد بالرقم المطلوب للعجز.
- الإيجابيات في المشروع:
- في المادة الخامسة (الإجازة بالإقتراض)، لقد تم لأول إحترام قاعدة الشمول ومبدأ الشفافية وذلك، في سياق إصدار سندات خزينة لتمويل إستحقاقات أصل الديون والعجز وتحديد الحدود القصوى لإدراج الإعتمادات الإضافية لتغطية سلف الخزينة لكهرباء.
- إعادة تفعيل دور ديوان المحاسبة الرقابي سيما لجهة كيفية إستعمال وإنفاق الهبات والقروض الخارجية مع وجوب إدراجها ضمن حسابات خاصة.
- بالنسبة للإعتمادات لدعم فوائد القروض الإستثمارية (المادة العاشرة-الفصل الأول) تم تخويل مجلس الوزراء وتفويضه بإتخاذ القرار بالأولويات القطاعية للإستفادة من القروض المدعومة من أموال مصرف لبنان (زراعة، صناعة سياحة، تكنولوجيا، وإلخ.)؛ وهذا تحوّل نوعي.
- تم التطرق إلى موضوع الإعفاءات غير المجدية وإلغاء البعض منها كما وإستبدالها بأخرى ضمن سقف الإلتزامات الدولية وذلك بهدف زيادة الواردات كما وحماية الصناعة الوطنية وتحفيزها (مثال إلغاء الإعفاءات الجمركية؛ رسم ال2% في المادة الثالثة والستين مع الإبقاء على ما هو مجدي وضروري للمعوقين والبيئة وسواهما) مع محاولات خجولة لتفعيل الإستثمار بتدابير طاولت قانون تحفيز الإستثمارات رقم 360/2001 (تخفيضات ضريبية للمشاريع الإستثمارية القائمة في لبنان التي تقوم بالتوسع وإجراء توظيفات جديدة).
- تطرقه لأول مرة إلى مواضيع تبين سوء إدارة المال العام والتبذير والإنفاق الزبائني غير المجد ← وضع حدّ لبعض التجاوزات.
- بداية مشجعّة لتجميع الموازنات الملحقة المستقلة ودمجها بدءاً من سنة 2021 بالموازنة العامة بحيث تصبح شاملة لكافة الأرقام من نفقات وإرادات (المادة 75) والإقلاع عن ذكر الوفر أو العجز فحسب؛ كما وإبلاغ مديرية المالية العامة بالوفر المحقق بالنسبة للإعتمادات الملحوظة (المادة 72) ← تحفيز الشفافية والمساءلة.
- تدارك نتائج تطبيق قانون السلسلة وما رتبه من تكاليف على الخزينة بتجميد التوظيف (المادة 78) وتجميد الإحالة إلى التقاعد لمدة 3 سنوات إلا في حال الموافقة على حسم نسبة 25% من الحقوق (المادة 76) وزيادة سنوات الخدمة التي تتيح الحق بالتقاعد (المادة 90).
- إخضاع معاشات التقاعد للإقتطاع الضريبي على غرار باقي دول العالم مع العلم أنه وخلافاً لما يدعيه بعض المعارضون، فإن المادة 50 من قانون ضريبة الدخل (المرسوم الإشتراعي رقم 159 تاريخ 12/6/1959 مع تعديلاته) تعتبر الإقتطاعات من الأجر والمبالغ المدفوعة للتقاعد مبالغ تنزل من الدخل الخاضع للضريبة لتحديد الواردات الصافية؛ وبالتالي فإنها معفية ولا وجود لإزدواجية تكليف.
- محاولة لتشجيع الإستثمار والتوظيف من خلال الحوافز الضريبية الممنوحة (المواد 87 و88 و91 من مشروع قانون الموازنة) ← إلا أنه لم يصار إلى التوضيح ما إذا كان الحدّ الأعلى للإستفادة من حوافز التوظيف أن يكون معاش شهري أو سنوي بقيمة 18 مليون ليرة ← يقتضي التحديد.
- التشدد في موضوع المخالفات البيئية (سيما الكسارات والمرامل) وتحميل المخالفين جميع التكاليف (المسح ورفع الضرر وسواهما) كما والغرامات.
- محاولة طموحة للحد من الفوارق (إقتصاد ريعي/إقتصاد منتج) وتوسيع قاعدة المكلفين ومحاربة التهرب الضريبي والاقتصاد الخفي (économie souterraine) ← من خلال عدة تدابير، أهمها:
- إلزام كتاب العدل بتزويد وزارة المالية (إلى حين الربط الإلكتروني) بنسخ عن عقود البيع الممسوحة والوكالات غير القابلة للعزل المنظمة لديهم كما وبإفادة السجل العقاري بكل عقود التفرغ عن حقوق عينية سيما الإجارة الطويلة (المادة 28).
- إعفاء المكلفين بموجب المادة 53 (ر8) من قانون ضريبة الدخل من غرامات التحقق والتحصيل إستدراكاً لسوء إعلامهم بموجباتهم من قبل الإدارة وتحفيزاً لإلتزامهم الضريبي المستقبلي وما يستتبعه من إمكانية لمراقبة تصاريح أرباب العمل؛ وصولاً إلى تطبيق الضريبة الموحدة على الدخل (المادة 38 من مشروع الموازنة).
- تخفيض الحدّ الأدنى للخضوع للضريبة على القيمة المضافة إلى 50 مليون ليرة لفصل أو أربعة فصول متتالية (المادة 40) كما والتسجيل الإختياري لمن يتجاوز رقم أعماله 25 مليون ليرة كما وتوسيع نطاق التطيبيق لتشمل الشركاء في الكيان الواحد ومن يوقع عقود مع الإدارة العامة (خطأ مطبعي بالنسبة لحدّ ال50 مليون)← إقتراح إلغاء الحد الأدنى. إنما يقتضي بالمقابل إستدراك صعوبة التطبيق على الأرض إن من ناحية الإدارة والكلفة المترتبة أم من جهة المكلفين الصغار الذين لا قدرة لهم على إستيعاب الإلتزامات أو التعاقد مع محاسبين← ضرورة تحديد الآلية وإعطاء مهلة موضوعية.
- شطب الشركات والمؤسسات التجارية من السجل التجاري كما والشركات الدمنية التي لم تزاول أي عمل وليس لها موجودات (المادة 42)؛ وهذا ما من شأنه توضيح الصورة وإحصاء المكلفين الفعليين وثني الذين يتعمدون التهرب.
- إلزام البلديات بإجراء مسح ميداني للمؤسسات التجارية والصناعية والتجارية الواقعة في نطاقها والمرخص لها وإفادة وزارة المالية بأسماء من هم مسجلين وغير مسجلين لدى وزارة المالية بالإضافة إلى كافة المعلومات الأخرى التي تسمح بملاحقتهم (المادتين 52 و53).
- إلزام تسجيل عقود التفرغ عن حقوق عينية لدى الكتاب العدل بمهلة سنتين تحت طائلة تطبيق غرامة نسبية بواقع 10% من قيمة الرسم مع سقوط الحق الشخصي بالتسجيل (المادتين 28 و55). رغم إيجابية الإجراء لجهة مكافحة ظاهرة التلطي والتهرب الضريبي إلا أن هذا الإجراء غير أصولي لما يتضمنه من تدبير مجحف يقضي “بإسقاط الحق الشخصي بالتسجيل” في حال لم يتم التسجيل في مهلة السنتين. وهذا غير مقبول ومخالف لشرعة المتعاقدين. بالتالي، يقتضي الإكتفاء بمضاعفة الغرامات دون التعرض للحقوق الشخصية بما يخالف أحكام الدستور.
- محاولة خجولة لترشيد الإنفاق وضبطه وتحديد الأولويات والحدّ من التوظيف المبطن وتوزيع المكافآت والتعويضات دون معايير وضوابط كما وعن طريق تنظيم اقتناء المركبات في القطاع العام ومنع التعاقد والتوظيف وإنما دون الإتيان على ذكر أي تدبير عملي إصلاحي لحل مشكلتي الفائض من جهة والشغور من جهة أخرى كما وتقويم الإداء للموظفين.
- فتح المجال مجدداً (إعطاء مهلة إضافية) للإعتراض على الضرائب والرسوم الساقطة بمرور الزمن لعلّة في الشكل أو التبليغ مما من شأنه إنصاف بعض الحالات (المادة 37).
- فتح المجال مجدداً لإجراء عملية إعادة تقييم إستثنائية للأصول الثابتة (أياً كان نظام التكليف) مع نسبة مخفضة إلى 3% كما وبالنسبة للأفراد الذين أخضعوا للضريبة بموجب المادة 13 من القانون رقم 64/2017 مع نسبة مخفضة توازي 2%← من شأنه تخفيف الضغط على المؤسسات والأفراد في هذه الظروف الضاغطة والإنكماشية وتحريك الأسواق كما وحسهم على الإلتزام الضريبي كما وتأمين إيرادات سريعة للخزينة هي بأمس الحاجة إليها لتخفيض العجز. كما وجرى حصر إمكانية تمديد هذا الإجراء لمرتين فقط (ستة أشهر x 2).
- إلغاء الإعتمادات (الجزء الأول) التي لم تٌعقد وهذا يضاف إلى الإجراء السابق بتعديل المادة 114 من قانون المحاسبة العمومية واعتماد مبدأ عدم تدوير الإعتمادات إلا في حالات إستثنائية لحظها القانون سيما عندما يتعلق بها حق الغير؛ وهذا من شأنه ان يساعد على التقيد بمبدأي الشمولية والسنوية وأن يقطع الطريق على التصرف بالإعتمادات والإنفاق لمدة تزيد عن السنة المالية دون الرجوع إلى السلطة التشريعية صاحبة الحق في إعطاء الإذن.
- بداية مشجعة لمسألة معالجة موضوع الفائض والتخوم والزبائنة في قطاع التعليم من خلال: (أ) تحديد قيمة لمساهمة الحكومة عن كل تلميذ مسجل في المدارس الخاصة
- السلبيات:
- رغم إتباع المشروع سياسة تقشفية واضخة، إلا أن ذلك يبقى دون المطلوب وغير كافٍ أو مجدي بدليل أن التخفيض في النفقات مقارنةً مع أرقام موازنة سنة 2018 ليس من المتوقّع أن تتعدى نسبة الخمسة بالمئة. كما أنه لم يُصار إلى معالجة مكامن الخلل الرئيسية والأساسية سيما في القطاعات المؤثرة والبنود الرئيسسية في خفض العجز فعلياً وهي الأكثر هدراً مثال خدمة الدين وإيجارات المباني الرسمية والتوظيف الوهمي والمخالف للقانون (وآخره مخالفة المادة 21 من القانون رقم 46/2017) وبقاء مرافق عديدة كالجمارك والإتصالات وسواهما في منأى عن الإصلاحات الجزرية.
- جرى الإبقاء على عادة حشو الموازنة بما يسمى “فرسان الموازنة” (“les cavaliers budgétaires”) وهي تشمل أكثر من ثلاثة أرباع المواد. و”فرسان الموازنة” هذه، هي نصوص يُفترض بحثها وتضمينها في قوانين مستقلة عن قانون الموازنة كون القانون المذكور ينحصر بمواضيع تتعلق مباشرة بتقدير الواردات والنفقات وإجازتها والتوازن المالي كما هو مفروض بموجب المادة الخامسة من قانون المحاسبة العمومية. إلا أن السلطة التنفيذية تحاول الإستفادة من حجم البنود والإعتمادات التي تستوجب الدرس والنقاش كما وضيق الوقت والضجيج الإعلامي الذي يرافق التصويت على الموازنة لتفادي ردود الفعل السلبية عليها وتسهيل تمريرها دون درس متمعن مثال تعديل قانون الإجراءات الضريبية لتعريف مفهوم التهرب الضريبي. وهذا الموضوع يقتضي أن يتم بحثه جدياً على نطاق شامل نظراً لدقته وإرتداداته؛ ناهيك عن المواضيع الأخرى الواردة في الفصل الرابع من مشروع قانون الموازنة.
- بالنسبة للأرقام والتقديرات المرصدة، هناك غياب لأي دراسة وقع إقتصادي (Impact economical study) أو دراسة إكتوارية أو دراسة جدوى إقتصادية (Feasibility study) أو إحصائيات حديثة موثقة وسيما بالنسبة لجداول الفصل الثاني والتدابير المقترحة تحت الفصل الثالث (التعديلات الضريبية من رسوم متفرقة وزيادة ضرائب وإعفاءات).
- كانت الحكومة قد ألزمت نفسها أو إلتزمت في قانون الموازنة الأخير رقم 79/2018 على تعيين الهيئات الناظمة ومجالس الإدارة للمؤسسات العامة خلال مهلة ستة أشهر. لم تُحترم هذه المهلة ولم يصار إلى لحظ الموضوع مجدداً في هذه الموازنة.
- لقد جرى، في الفصل الثالث (التعديلات الضريبية) المادة 17، تحميل الشركات السياحية غرامة (ثلاثة ملايين ليرة لبنانية) في حال تخلف أي شخص من الوفود السياحية عن المغادرة ← ما هو إنعكاس ذلك التدبير على الشركات المذكورة وكيف يمكنها الإحتطات لذلك؟
- لقد جرى فرض رسم مقابل إشغال غرفة في فندق أو شقة مفروشة عن كل ليلة (المادة 43)← هذه ضريبة وليست رسم كون الرسم يخصص في البلدان التي تطبق هكذا إجراء لصالح البلديات والسلطات المحلية ويكون لها مقابل من حيث تحسين البيئة السياحية. وهذا، ما هو غائب هنا تماماً. نفس المنطق يقتضي أن يعتمد بالنسبة لموضوع رسم النرجيلة ← إذ يقتضي تخصيصه لمشاريع وإستثمارات تؤمن الصحة وتحفظ البيئة وليس لتحصيل ضريبة كيفما كان.
- لقد جرى تخفيض الرسوم المفروضة على شركات الملاحة الوطنية وشركاتها التابعة (المادة 47) بدلاً من إعادة النظر في الإعفاءات الممنوحة لها (ضريبة دخل) راهناً والتي يصعب قبولها في ظل الإحتكار القائم وغلاء الأسعار التي تنعكس على المسافرين سلباً.
- قبل تخفيض رسوم التسجيل للبنانيين بصورة إستثنائية لغاية 31/12/2019 (2% بحدود 375 مليون ليرة و3% لما فوق)، هل تمت دراسة النتائج المحققة بالنسبة للإجراء المماثل الوارد في قانوني الموازنة السابقين رقم 66/2017 و79/2018؟ ليبنى على الشيء مقتضاه ولا يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية ومناقضة لتلك المرجوة.
- جرى الإبقاء على صناديق عديدة لمجالس وهيئات كما وإلتزامات للدولة خارج إطار الموازنة خلافاً لمبدأ شمولية الموازنة (عدم ورود القروض والنفقات ضمن الموازنة).
- تخفيض غرامات التحقق والتحصيل التي يتم فرضها نتيجة لعمليات التكليف بنسبة 85%؛ كما وتلك المقترحة بتخفيض الغرامات المتوجبة على متأخرات رسوم الميكانيك والرسوم البلدية وسواها بنسبة 85% ← هذا من شأنه تشجيع المكلفين على عدم القيام بواجباتهم والطعن بمبدأ المساواة المكرسّ دستورياً (البند ج من مقدمة الدستور كما والمادة 7) مقارنةً مع المكلفين الملتزمين وإضعاف المواطنية الضريبية بنتيجته.
- لقد تم التراجع عن إقتراح حسم 50% من مخصصات السلطات العامة وملحقاتها (الرؤساء والنواب والوزراء، وسواهم) لمدة 3 سنوات، الوارد في الصيغة الأولى للمشروع، تحسساً ومساهمةً في تحمل التضحيات.
- يلاحظ أنه ونتيجة الضغط المعنوي (مصرف لبنان وإدارة الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي) أو الشعبي الساخط (المتقاعدين العسكريين) تم الرجوع عن إجراءات كانت ملحوظة في المشروع الأول للموازنة على غرار: إلغاء التجهيزات العسكرية المخصصة للعسكريين المتقاعدين؛ وضح حد أقصى للتعويضات العسكرية من مجموع الرواتب الأساسية في السنة نفسها؛ إخضاع موازنة مصرف لبنان وحساباته لمصادقة وزارة المالية؛ تحديد سقف لتوزيع أنصبة الأرباح والرواتب الإضافية في الإدارات كافةً مع إستثناء مصرف لبنان والصندوق الوطني للضمان الإجتماعي (المادة 85). وهذا ينذر بسابقة خطرة قوامها أخذ الحقوق بالضغط والعنف على حساب شريحة كبيرة من المواطنين التي تؤن تحت وطأة الأعباء والتضحيات ولا سبيل لها لإسماع صوتها في هذا المجتمع الطائفي الفئوي.
- إن الرسم الجمركي الجديد بمعدّل 2% على الواردات، رغم أهدافه المعلنة الداعمة للإنتاج، لم يأتي مقروناً بآلية دعم واضحة لهذا الإنتاج المحلي وخلق صندوق داعم له كما كان مقترحاً في النموذج ما قبل الأخير للمشروع قبل إقراره. كما أنه كان يقتضي في هذه الظروف أن تقتصر الزيادة على الكماليات والسلع التي يوجد لديها بديل منتج محلياً.
- تحفيذ وتشريع بعض الظواهر الضارة من خلال تحديد رسوم لها كالزجاج الداكن أو رخص السلاح الحربي الفردي.
- الخلاصة:
نأسف لغياب أيّ برنامج طموح و/أو رؤية إقتصادية متكاملة ومححدة المعالم في المشروع. سياسات تهدف، حقاً ولا قولاً، إلى احترام المكلّفين من خلال مراعاة هواجزهم واحتياجاتهم من ناحية وتحسين إدارة الماليّة العامة من ناحية أخرى. وعليه، يقتضي جعل النظام الضريبيّ أكثر إنصافًا وفعالية وتشاركية ووضع مبادئ وسياسات عامة وجامعة تراعي اهتمامات المواطن الحاليّة والمستقبليّة وتتماشى مع النموذج الاقتصاديّ العالميّ الجديد. ومن أهم المبادئ التوجيهية التي يقتضي مراعاتها بهذا الخصوص، معايير الإنصاف والتنمية والاستقرار والكفاءة والشفافيّة والتضامن وخلق فرص عمل وتحفيز القدرة التنافسيّة وتبسيط الإجراءات. كما وينبغي أن يصار إلى الدعوة إلى حوار وطني جامع للتفكير والاستماع وتبادل الآراء والنقاش من أجل اقتراح قانون إطاريّ loi cadre يتم تطبيقه تدريجياً على المدى المتوسّط من خلال قوانين خاصة مكيّفة؛ على أن تقوم بوضعه ودراسته لجنة علميّة مختصّة.
كما أنه ومن أجل مكافحة التهرب الضريبيّ والعجز الماليّ من المجدي إعتماد تدابير مرافقة ومكمّلة أخرى. أولها إقامة مواءمة ماليّة من خلال تطبيق الضريبة الموحّدة على الدخل مع شطور تصاعدية بعبء ضريبي معتدل. كما لا بدّ من تجميع كافة النصوص المتباينة والمتفرقة في قانون ضرائبيّ واحد موحد. هذا، ومن الضروريّ وضع الخوارزميات وآليات الحوسبة عن بعد لمعالجة البيانات الحسابيّة للمكلّفين من خلال واجهات الكترونيّة تسمح بكشف الثغرات وملاحقة المتهرّبين.
ومن المفيد أيضًا إعادة تقييم كافة الإعفاءات والحوافز الضريبيّة القائمة حالياً والتي مرّ عليها الزمن والسهر على درس تأثير أي قرار بإعطاء تحفيزات لقطاع ما على هذا القطاع كما على القطاعات الأخرى ناهيك عن التأثير المحتمل على المالية العامة. وفي الواقع، قد يكون استخدام الأداة الضريبية كأداة للتدخّل الاقتصاديّ مفيدًا في توجيه الاقتصاد وتطويره لتأمين بعض الإنصاف من خلال إعادة توزيع الثروة.
إلا أنّه قد يكون له نتائج عكسيّة على الصعيدين المؤسسيّ التنظيميّ كما والقطاعيّ إن لم يكن مدروسا. بيد أن العديد من الأطراف الاقتصاديين في العقود الأخيرة بادروا إلى إغلاق مؤسساتهم التجارية والصناعية وإلى تحويل أعمالهم نحو القطاع العقاريّ وذلك للاستثمار في مشاريع أكثر ربحيةً ممّا أدى إلى خلق وضع ريعيّ غير منتج. فغالبًا ما تساهم هذه الحوافز في خلق مزايدات في الإعفاءات تؤدي في نهاية المطاف إلى الغاء مفاعيل بعضها البعض.
في الختام ، تجدر الإشارة إلى أنّ أيّ تقييم لسياسة الحوافز يعتمد على فعاليّة الأحكام المعتمدة أي إلى حدّ كبير على درجة تحقيق الأهداف المذكورة. أمّا سبل الوقاية والنجاح فتعتمد على وجود دراسة أثر وقع إقتصادي Economic Impact assessment وجهاز إحصائيّ يتمتّع ببيانات مواضيعيّة موثوق بها. بالإضافة إلى ذلك، لا بدّ من دراسات دقيقة لردود فعل المكلّفين ليبنى على الشيء مقتضاه. ويجب أن تشكّل هذه البيانات الأوليّة اساساً لكافة التحاليل والأفكار ويجب أن ترفق بنموذج اقتصاد قياسيّ يسمح بقياس تأثير تغيير أيّ عامل على الإيرادات أو التضخّم أو الاستهلاك أو الضرائب. فهذة الأداة أساسيّة لإيّ عمليّة صنع قرار.
ويبقى السؤال: أي موازنة نريد ؟ وجوابنا عل ذلك هو موازنة المهام (Missions) التي تندرج ضمنها البرامج (Programmes) للوصول إلى إحلال وتكريس مبدأ الصدقية (Principe de Sincérité) والشفافية على عمليتي إعداد وتنفيذ الموازنة فضلاً عن موجب النتيجة والمساءلة.