“مجلس النواب وموازنة 2019”
إعادة الموازنة إلى مسارها الصحيح:
أي دور للمؤسسات المسؤولة عن المال العام[1]
توطئة:
- دور المالية العامة في لبنان اليوم ← مفهوم ليبرالي تقليدي (Etat Gendarme) ← تأمين الخدمات البديهية.
- في الدولة الحديثة ← وسيلة للتدخل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتوجيهها كما وتحقيق البرامج والوعود.
- مهام الدولة ← حماية الاقتصاد الوطني وحل الأزمات ونشر العلم والمعرف وزيادة الثروة وحسن توزيعها.
- مفهوم الموازنة ينطلق من مبدأ موافقة ممثلي الشعب على فرض الضرائب طبقاً للحاجات والبرامج التي يتم عرضها من قبل الحكومة ومناقشتها بشفافية ومن ثم مراقبة استعمال المبالغ المحصلة في سياق البرامج والأهداف المعلن عنها.
- لا يمكن مساءلة النواب إلا إذا استطاعوا هم مساءلة السلطة التنفيذية مما يستدعي رفدهم بالخبرات والقدرات والمعارف المالية.
- تحسين الإدارة المالية للمال العام من خلال معايير تقييم إداء ومحاسبة دورية للمسؤولين.
- ما المطلوب لجعل التشاركية والشفافية مبدأين ملزمين في عملية إعداد الموازنة، مناقشتها والرقابة على تنفيذها؟
أولاً: الشفافية المالية.
- تضمن حق الشعب من خلال ممثليه بمراقبة عمل السلطة الإجرائية بصورة فعّالة عن طريق التدقيق في جميع موارد الدولة ونفقاتها بصورة مفصلة دون إخفاء أو إغفال.
- الإشكاليات المرتبطة بالنظام المعتمد راهناً لإعداد وعرض الموازنة:
- مفهوم تقليدي لإعداد وعرض الموازنة ← موازنة البنود.
- الحكومة مقيدة في الصرف برقم لا يحق لها تجاوزه (الإعتماد) والإنفاق يتم لتغطية نفقة محددة مسبقاً بموضوعها وقيمتها وموافق عليها في البرلمان ← من شأنه أن يؤدي مبدئياً إلى تعزيز الشفافية ورقابة السلطة التشريعية على أعمال الحكومة، عبر التصويت على الموازنة بصورة دقيقة ومفصلة لا بصورة إجمالية ← مبدأ التخصيص لتفادي أي هدر أو تحوير أو إساءة إستعمال أموال الدولة.
- حسابات الحقل أتت مغايرة لحسابات البيدر ← تخصيص نفقات تقديرية غير ثابتة ← طلب فتح إعتمادات إضافية لتغطية النفقات الفعلية.
- إطالة المناقشات البرلمانية ومنع السلطة التشريعية من ممارسة سلطة رقابة فعلية بسبب عامل العجلة والتفصيل المبالغ به.
- مبدأ تخصيص النفقات:
- تطبيقه الصحيح بمفهومه الحديث لتعزيز الشفافية ← تأمين معلومات كاملة ودقيقة ومتناسقة حول حسابات الدولة ← تميكن السلطة التشريعية من معرفة مصدر كل الواردات ووجهة إستعمال الإعتمادات.
- إجراءات ملازمة ضرورية ← (1) إعادة إحياء وزارة التصميم العام؛ (2) وجوب الفصل بين مهمتي المالية وإعداد الموازنة (وزارتين)؛ (3) إعطاء قانون المحاسبة العمومية قيمة تفوق قيمة القوانين العادية بإعتباره متمم لأحكام الدستور المتعلقة بمالية الدولة؛ (4) حظر ما يسمى بفرسان الموازنة (les cavaliers budgétaires).
- الإنتقال من موازنة البنود إلى موازنة البرامج والإداء:
- إيجاد توازن بين سلطة المراقبة الممنوحة للبرلمان والحرية الواجب منحها للحكومة في إدارة الشأن العام وبينهما أجهزة رقابية قضائية تتمتع بهامش إستقلالية للتتبع والتدقيق.
- إعتماد تقسيم وظائفي جديد حسب المهام (Missions) التي تندرج ضمنها البرامج (Programmes) للوصول إلى إحلال وتكريس مبدأ الصدقية (Principe de Sincérité) وحسن الإداء (Performance) على عمليتي إعداد وتنفيذ الموازنة فضلاً عن موجب النتيجة والمساءلة.
- مثل فرنسا مع القانون التنظيمي الصادر سنة 2001 الذي يتناول قوانين الموازنة (loi organique relative aux lois de finances (LOLF)) وتونس مع القانون التنظيمي الصادر سنة 2004 الذين أديا إلى إستبدال منطق الوسيلة بمنطق النتيجة وتوجيه الموازنة نحو تحسين الأداء ← مفهوم “إدارة الميزانية بحسب الأهداف”.
- تخصيص الإعتمادات وفق برامج (programmes) عائدة لكل وزارة.
- مجموع البرامج، العائدة إلى وزارة واحدة أو عدة وزارات، التي تساهم في سياسة عامة معينة ← تشكل المهمّة (Mission).
- يشكل البرنامج وحدة التخصيص والمهمة وحدة التصويت.
- إمكانية تعديل توزيع الإعتمادات وتحويلها سواء بين برامج الوزارة الواحدة أو بين البرامج العائدة لوزارات مختلفة شرط إستعمال الإعتمادات المنقولة (transferts de crédits) لأهداف مطابقة لأعمال البرنامج الأصلي ← إعلام اللجان المختصة في البرلمان وتنظيم تقرير خاص يصار إلى إدراجه ضمن تقارير الأداء السنوية لتبرير تحريك الإعتمادات.
- إعطاء التصويت الذي يجريه البرلمان على الموزانة معنى سياسي حقيقي أي مراقبة فعلية لأعمال الحكومة والتي تفترض التثبت من تحقيق النتيجة بدلاً من التصويت على الوسيلة الممنوحة لها ← إعتماد مفهوم “موازنة النتائج”.
- محاسبة المسؤولين عن البرامج على أساس النتيجة المرجوّة وحسن الإداء (Performance) مقابل إعطائهم هامش حرية وإستقلالية أكبر في إدارة موازنتهم ومرونة أكبر في الإدارة والصرف ← ضرورة إعتماد نظام مراقبة ومحاسبة ذكي وفعّال.
- تأمين شفافية أكبر بحيث يتمكن الشعب من معرفة وجهة إستعمال الواردات.
- إعتماد تجربة تونس لتعيين وزارات تجريبية أو إختبارية (ministères pilotes) تقوم بتنظيم ميزانيتها وفق برامج لتعميم ذلك فيما بعد على كافة الوزارات التونسية.
ثانياً: الإدارة المالية للمال العام: حوكمة ومساءلة.
- القواعد الجوهرية لإعداد الموازنة ومحاذيرها:
- مراعاة وتطبيق القواعد الجوهرية للموازنة لإعداد الموازنة ← مبادئ الشمول والشيوع والوحدة والسنوية يضاف إليها مبدئي التوازن والصدقية (Sincérité) التي تكفل بيان حقيقة الأوضاع المالية في الدولة وتضمن شفافية إدارة المال العام؛ وذلك من خلال:
- وضع قيود وشروط صارمة لتدوير الإعتمادات (مبدأ السنوية).
- إعتماد مبدأ الموازنة الشاملة أو المجمعة (مدمجة/موحدة) كأداة تقييم وتحليل في سياق درس وإقرار الموازنة العامة وفي سبيل تحسين تخصيص الموارد والإدارة المالية السليمة.
- استثناءات لمبدأ الشمول ← موازنات غير مرتبطة كالموازنات الاستثنائية والموازنات المستقلة (مجلس الإنماء والإعمار) والموازنات الملحقة (اليناصيب الوطني) والحسابات الخصوصية (سلفات وقروض).
- لا تعني دمج الموازنات فيما بينها وجمع الحسابات بمقدار ما تعني تحضير الموازنات بانسجام تام من أجل تحقيق التكامل وتأمين الشفافية.
- التشدد في تطبيق مبدأ الشمولية وعدم الطلطي وراء حسابات الخزينة الخاصة لتحقيق المآرب.
- الحؤول دون التلاعب بالأرقام أو تخفيض العجز وإخفاء الالتزامات والخسائر المحدقة.
- ضع السلطة التشريعية أمام الأمر الواقع وألزمها بنفقات لم توافق عليها أصلاً.
- إعتماد المعايير المستخدمة في القطاع الخاص لإظهار واقع الحال بصورة جلية وشفافة ← الإحتياطي والمؤونات (ديون مشكوك منها).
- إظهار أنشطة وعمليات مصرف لبنان كما وإلتزامات الدولة ضمن الموازنة أو أقله ضمن النقاش العام.
- إدراج الإنفاق الممول من المنح والقروض الخارجية في الموازنة بالطريقة نفسها التي يُدرج فيها الإنفاق الممول محلياً.
- الحوكمة الرشيدة والإصلاحات الإدارية المرجوة:
- إيلاء الأولوية للأهداف الاقتصادية والإجتماعية ضمن رؤية شاملة متكاملة وقيم إجتماعية تعبرّ عنها الموازنة.
- تأمين حق الوصول إلى المعلومات والحكومة الإلكترونية (e-government) والترابط الإلكتروني بين الإدارات كافةً في سياق حوكمة رشيدة (Good governance).
- إحترام المهل الدستورية لإعداد وعرض والتصويت على الموازنة ← تطبيق الأحكام النظامية لمعاقبة التقاعس والتغييب المتكرر.
- إنشاء وحدة متخصصة لدرس وتحليل وقع الأثر الإقتصادي (Economic impact assessment) ووحدة الأرقام والمؤشرات والإحصاءات ليصار إلى إجراء محاكاة اقتصادية (simulation) ومدّ السلطتين التنفيذية والتشريعية بمعلومات وافية ودقيقة تساعدهم على إتخاذ القرارات وإعتماد الخيارات وتحمل المسؤوليات.
- تأمين وحدة إدارية تابعة للسلطة التشريعية أو متعاونة معها لتقييم الموازنة والتأكد من توافقها وإنسجامها مع الأحكام الدستورية.
- إعتماد وإدارة سياسة سيولة واقعية وفعاّلة لتفادي الإقتراض غير المتوقع أو التدابير الضريبية المفاجئة
- تتبع تطبيق الموازنة من خلال تقارير دورية (شهرية) تقدمها السلطة التنفيذية.
- تقييم إداء الموظفين والمسؤولين.
- تطوير التكنولوجيا (cybernétique financière) في طور إعداد الموازنة لما تؤمنه من تدني في هامش الخطأ البشري ← معايير معدّة سلفاً مع أجهزة تقنية مواكبة وهيئات ناظمة مستقلة.
- إيجاد ألية رسمية تسمح بإشراك المواطنين وهيئات المجتمع المدني في النقاش العام الذي يسبق إقرار الموازنة.
- تكريس حق حضور المنظمات المهنية والهيئات الأكثر تمثيلاً اجتماعات لجنة المال والموازنة.
- تطبيق القانون رقم 664/2005 وتعيين بنتيجته وسيط الجمهورية لتمكين المجتمع المدني من مراجعته بسبب عدم تطبيق الموازنة وعدم تحقيق البرامج والسياسات التي إلتزمت بها الدولة.
- تفعيل دور الأجهزة القابية وتوسيع نطاق مهامها وتأمين إستقلاليتها:
- صمام أمان لتأمين الشفافية والمسائلة كما والحفاظ على المال العام وتحقيق المنفعة العامة من خلال العمل الرقابي والإستشاري والتأديبي.
- تأمين إستقلالية هذا الجهاز الرقابي عن السلطة التنفيذية التي تعينه وتؤمن تمويله.
- تطوير القوانين بغية إعطاء دور لديوان المحاسبة وإشراكه في عملية إعداد الموازنة العامة ← أخذ رأيه بعملية تبرير الطلبات الواردة من الإدارات.
- الاهتمام بتقارير الديوان بخصوص المخالفات المالية المرتكبة وسيما تلك التي تحمّل الوزراء مسؤولية.
- تأمين ترابط إلكتروني فيما بين الديوان وباقي الإدارات والوزارات لتفعيل التعاون والمراقبة.
- اعتماد للامركزية المالية من ضمن للامركزية الإدارية:
- توزيع الصلاحيات والامتيازات السيادية الضريبية لفرض وتحصيل الضرائب بين الدولة المركزية والمناطق (أقضية).
- تبادل المعلومات بين السلطة المركزية والسلطات المحلية لمحاربة التهرب الضريبي والحدّ منه.
[1] المحامي كريم ضاهر إستاذ محاضر في قانون الضرائب ورئيس “الجمعيّة اللبنانيّة لحقوق المكلّفين” (ALDIC)