- في نطاق القانون وإستثناءاته.
تجدر الإشارة بادئ ذي بدء إلى التمايز الحاصل فيما بين الأسباب الموجبة ونص القانون المقترح لجهة نطاق العفو المحدد في إقتراح القانون؛ بحيث أن الحالات التي تضمنها البند أولا من المادة الوحيدة أوسع من الحالات المحددة في الأسباب الموجبة التي أوصت بمنح العفو لأسباب عزاها مقدمي الإقتراح إلى مبدأ الصفح المعزز للسلم الأهلي وإعادة اللحمة كما وتجاوز الصراعات (وكذا).
ومن المفيد في طور التحليل إثارة بعض الملاحظات المهمة ومنها:
- المقارنة مع قانون العفو العام السابق رقم 84 الصادر في 26/8/1991:
إن القانون رقم 84 قد نص في مادته الأولى على أن يمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 28 آذار سنة 1991، وفقاً لأحكام القانون المذكور بخلاف إقتراح القانون الجديد الذي وسّع القاعدة وأدرج زيادةً ما يلي ” سواء حُركت فيها دعوى الحق العام أو لم تُحرك” مما ينم عن نية فاضحة للتستر عن جنح وجرائم حاصلة وإنما غير معروفة و/أو ملاحق بها بعد.
- إستثناء مخالفة القوانين المالية (التهرب الضريبي):
لقد تضمن المرسوم الاشتراعي رقم 156 تاريخ 16/9/1983 رزمة من العقوبات المالية (غرامات) والجزائية (حبس) يصل أقصاها إلى 3 سنوات سجن. مما يعني أن جميعها مصنفة بفئة المخالفات والجنح وليست بالتالي مستثنات صراحةً من العفو بموجب إقتراح القانون الجديد. بمعنى آخر، فإن جميع وسائر من خالفوا وإغتنوا على حساب أموال الدولة العامة معفيين هنا من أية ملاحقة “سواء حُركت فيها دعوى الحق العام أو لم تُحرك”.
والحال ما تقدم، تكون جميع وسائر الحالات الملحوظة بموجب المادة 57 من قانون الموازنة الأخير رقم 144 تاريخ 31/7/2019 معفية، ومن أهمها:
- كتمان إيرادات خاضعة للضريبة.
- القيام بأعمال أو معاملات خاضعة للضريبة أو للرسوم دون الالتزام بموجب تقديم مباشرة العمل وبالتالي بموجب التصريح عن تلك الأعمال والمعاملات.
- إنشاء حسابات خارج السجلات المحاسبية.
- إجراء عمليات دون تدوينها في السجلات أو دون إظهارها بصورة وافية.
- تسجيل نفقات وهمية.
- تسجيل التزامات مالية وهمية أو ليغر غايتها الفعلية.
- استخدام مستندات مزيّفة.
- الإتلاف المتعمد لمستندات المحاسبة قبل التاريخ الذي يفرضه القانون.
- عدم تقديم التصاريح والبيانات المعلقة بنتائج الأعمال أو بالمطرح الضريبي.
- ممارسة الحسم الضريبي أو الإسترداد دون وجه حق.
- القيام بمعاملات وإجراءات من شأنها تحمل موجبات وأعباء وهمية تجاه الغير، وان اتخذت شكلاً قانونياً.
- عدم التصريح عن عمليات الإستيراد والتصدير بقيمتها الحقيقية.
- عدم التصريح عن كافة المستخدمين.
- عدم إصدار فواتير أو مستندات مماثلة لها وفقاً للأصول.
- التستر على صاحب الحق الإقتصادي، وفقاً للتعريف المحدد له قانوناً، من أي مصدر أموال وبأي طريقة كانت.
كما ويكون مجلس النواب قد إلتف على قرار المجلس الدستوري رقم 4/2018 الذي ابطل مواد التسووية الضريبية من قانون الموازنة رقم 79 تاريخ 18 نيسان 2018 لمخالفته مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل المنصوص عنه في البند (ج) من مقدمة الدستور ومادته السابعة.
وهنا تجدر الإشارة إضافةً إلى أن شمول الإعفاء مخالفة القوانين المالية وأهمها الموجبات الضريبية من شأنه الحؤول دون إمكانية الولوج لاحقاً إلى هذا المنفذ وإستعمال هذه الوسيلة لملاحقة المسؤولين ومن يشملهم قانون الإثراء غير المشروع رقم 154 تاريخ 27/11/1999 (في حال تعذّر ذلك من خلال المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء والنواب المنصوص عنه في المادة 80 من الدستور والقانون رقم 13 تاريخ 18/8/1990)؛ كما وإسترداد الأموال المنهوبة عن طريق كشف والتحقيق مي مواضيع تملك المشكو منه بنفسه أو بواسطة الأشخاص المترابطين أموالاً لا تمكنه موارده العادية من تملكها، أو من خلال مظاهر الثراء التي لا تتفق مع تلك الموارد.
وتجدر الإشارة أنه يمكن ذلك من خلال إستعمال الوسائل التي يمنحها كل من:
- قانون ضريبة الدخل (المرسوم الإشتراعي رقم 144 تاريخ 12/6/1959) من خلال المادة 4 (د) التي تنص على أنه: “يعد في جملة المكلفين بهذه الضريبة (…) كل شخص حقيقي أو معنوي حصل على ربح من عمل يدر ريعاً غير خاضع لضريبة أخرى على الدخل”.
- قانون رسم الإنتقال (المرسوم الإشتراعي رقم 146 تاريخ 12/6/1959) في مادته 16: التي تنصت على أن تعفى كل هبة لا تتجاوز قيمتها مليون ستماية ألف ليرة. وإذا زادت يستوفى الرسم على الزيادة. وذلك، مع مراعاة القوانين الخاصة كقانون الإنتخاب وما يجيزه لهذه الجهة.
كما أنه لا ينفع ولا يجدي التذرّع بأن إقتراح القانون الجديد قد أعفى جرائم تبييض الأموال؛ أولاً لأنه لم يأتي على ذكر بصور صريحة قانون مكافحة تبييض الاموال رقم 318 الصادر في 20/4/2001 والقانون المعجل رقم 44 تاريخ 26/11/2015 (مكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب) وذلك، بخلاف ما فعله بالنسبة للقوانين الخاصة الأخرى. ومن جهة ثانية لأن القانون رقم 44/2015 الآنف الذكر رغم إضافته التهرب الضريبي على تصنيف الأموال غير المشروعة وفقاً للقوانين اللبنانية، إلا أن ذلك جاء في سياق تعريف الأموال غير المشروعة التي تؤدي إلى حالة تبييض الأموال وهو “كل فعل يقصد منه إخفاء المصدر الحقيقي للاموال غير المشروعة أو اعطاء تبرير كاذب لهذا المصدر، باي وسيلة كانت…أو تحويل الاموال أو استبدالها (وإلخ)”. وبالتالي فإن العقاب المحدد يطال هذه الأفعال فحسب كما ويعتبر جرم كون العقوبة الجزائية أي الحبس تمتد من ثلاثة (3) إلى سبع (7) سنوات.
- الإستثنائات الواجب زيادتها والواردة في قانون العقوبات:
- الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات في الجرائم المخلة بالإدارة القضائية وسيما منها الحالات التالية:
- كل موظف مكلف البحث عن الجرائم أو ملاحقتها فأهمل أو أرجأ الأخبار عن جريمة اتصلت بعمله (…) وكل موظف أهمل أو أرجأ إعلام السلطة ذات الصلاحية عن جناية أو جنحة عرف بها في أثناء قيامه بالوظيفة أو في معرض قيامه (المادة 399).
- اختلاق الجرائم والافتراء (النبذة 3 المواد 402 وتابع).
- التهويل (Chantage) وسيما من أقدم بالتهديد أو بالعنف وبقصد اجتلاب نفع غير مشروع له أو لغيره، أو من أكره شخصاً على إجراء عمل أو الامتناع عن إجرائه أضراراً بثروته وبثروة غيره (المادة 649).
- الإفلاس والغش أضراراً بالدائن (الفصل الخامس من الباب الحادي عشر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات.
- الأضرار الملحقة بأملاك الدولة والأفراد (الفصل الثامن من نفس الباب أي المواد 730 وتابع).
- الجرائم المتعلقة بنظام المياه (الفصل التاسع من نفس الباب أي المواد 745 وتابع).
- جرائم الإفلاس الاحتيالي.
- في الإستنتاج والتقويم.
تجدر الإشارة أولا إلى أن هذا الإقتراح غير ملائم إن في توقيته أو في أهدافه وسيما أنه يكتنفه الإلتباس واللبس والإبهام والنواقص التي يتخذ منها وفيها الشياطين موطناً وحقل إختبار.
ولعله كان من الأجدى والأنسب حصر العفو بموضوع وحيد وهو عائدٌ إلى ما يعتبره البعض أنه تجني بحق بعض المحكومين وحصره بهم دون أي توسّع أو إستطراد. لا بل كان من الضروري ومنذ سنوات معالجة الأسباب والظروف التي أدت إلى هذه النتيجة وتحسين آليات التحقيق والمحاكمات وظروف السجن. وليس تفعيل حالات الإنكار وفقدان الذاكرة تكراراً لتجربة القانون المشؤوم رقم 84 الصادر في 26/8/1991الذي سمح لأمراء الحرب التربع على الحكم والأستفادة الشخصية من مقتدرات البلاد والعباد وإيصال الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم. كان يقتضي تنقية الذاكرة ومحاسبة النفس والغير ومن ثم الصفح دون النسيان لعدم التكرار على غرار المقولة الشعبية الفرنسية غداة الثورة والثورة المضادة “الصفح ليس النسيان” (le Pardon n’est pas l’oubli).
المحامي كريم ضاهر
الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين (ALDIC)