كيف تجري المراقبة الضريبية؟ وما هي سبل الإعتراض الممكنة؟
للمرة الأولى منذ العام 1959، اعتُمد في العام 2008 إصلاحٌ جذري للنظام الضريبي اللبناني وذلك، من خلال إقرار قانون الإجراءات الضريبية (رقم 44/2008) الذي وحّد ونظّم الإجراءات الضريبية كافة. ولكم في ما يلي دليل عملي مختصر لهذه القواعد، مقتبس من الطبعة الجديدة لـكتاب “الضرائب في لبنان”.
أ- كيف يتم تدقيّق تصاريح المكلّفين من قبل الإدارة؟
تتمّ عملية التدقيق على مرحلتين: تدقيق مكتبي “عن بُعد” للتصاريح والمستندات (1) وتدقيق ميداني في الموقع للسجلات والمستندات المحاسبية (2).
1) التدقيق المكتبي:
تُختار الملفّات وفقًا لمعايير إختيار توضع لهذه الغاية من قبل الإدارات المعنية نتيجة لعملية تحليل المخاطر.
يرتكز التدقيق المكتبي في المستندات على تصاريح المكلّفين الّتي تنطبق عليها المعلومات الواردة في ملفّ المعنيّين و/أو المقدمة من أطراف ثالثين، كون للإدارة الحق بأن تستحصل على المعلومات من أي شخص أو هيئة خاصة أو عامة من أجل القيام بعملية التدقيق. غير أنّ هذا الحق محدودٌ بسبب قانون السرية المصرفية.
هذا، وتتحقّق الإدارة الضريبية أوّلاً من ترابط وجدية المداخيل المصرّح عنها كما وانتظام تحصيلها. وإذا تبيّن لها وجود أخطاء أو نواقص تستدعي التعديل، ترسل طلبات للحصول على معلومات إضافية وتوضيحات أو تبريرات من المكلف. وعليه، وفي حال لم تكن هذه المعطيات والتبريرات مقنعة، تعمد الإدارة إلى الشروع بعملية تكليف أو تدقيق ميداني.
2) التدقيق الميداني:
على الرغم من إتساع مروحة الوسائل والإمكانيات المتوفرة للإدارة من أجل التدقيق المكتبي في المستندات، إلاّ أنّها تبقى غير كافية. لذا تلجأ دوريًّا إلى عمليّات تدقيق في الموقع تسمّى “تدقيق ميداني” أيّ في مقرّ الشركة بالذات.
عمليا”، يُصار إلى إبلاغ المكلف أمر المهمة (للتدقيق) ضمن مهلة خمسة عشر يومًا من بدء عملية الدقيق وذلك، بموجب إشعار يُرسل إليه في بريد مضمون، على العنوان المصرّح عنه مسبقًا للسلطات الضريبية. يجب أن يُذكر بالأخص في الإشعار، كل من رقم وتاريخ أمر المهمة الصادر عن رئيس الوحدة الضريبيّة المختصّة، الفترات الضريبيّة المدققة وأنواع الضرائب الّتي ستخضع للتدقيق بالإضافة إلى عدد من المعلومات الشكلية المتنوعة الأخرى. كما يعود للإدارة الضريبية أيضًا، في بعض الحالات الإستثنائية، إجراء عملية كشف وتدقيق مفاجئة من دون مهلة أو إخطار مسبق.
يشمل التدقيق كلّ سجلاّت المحاسبة ومستنداتها الداعمة كافّة (الفواتير، العقود، نسخ من رسائل، الخ) شرط أن تقتصر على السنوات المالية والضرائب المحدّدة حصرًا في أمر المهمّة وإشعار التدقيق والدرس. كما يجب أن تُنجز في غضون ثلاثة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة لمدة مماثلة وذلك بموجب إذنٍ من رئيس الإدارة الضريبية المختصة، ولأسباب مبرّرة. هذا، وتكمن أهمية وغاية هذا الإجراء الوجاهي في تسهيل الحوار بين المكلّف والمراقب. في المطلق ومثاليا”، ينبغي أن يشكل هذا النوع من التفتيش فرصة لتقويم وضعية الشركة الضريبية. وبالتالي، يكون التشخيص سلبيًّا متى كان أحد الطرفيْن إمّا لديه نيّة سيّئة وإمّا غير مطلّع كفاية على القواعد المرعية الإجراء.
لذا وبهدف تحفيذ المعرفة وتحسين التواصل البناء يقتضي تطوير التشريعات الحالية المعمول بها. وعليه، ينبغي أن يُفرض على كّل عمليّة تدقيق – تحت طائلة بطلان الإجراءات التأديبية و/أو الجنائية: أوّلاً، توزيع كتيب يعرف بميثاق أو شرعة المكلّف مع إشعار بالاستلام لإعلامه عن حقوقه والموجبات الملقاة على عاتقه خلال عمليّة التدقيق. ثانيًا، إبلاغه بضرورة أن يطلب الإستعانة بخدمات إستشاري متخصص للمساعدة ينتقيه هو (خبير محاسبة محلّف أو محامٍ). ثالثًا، تزويده عند الإقتضاء “إخطارًا رسميًّا بعدم توجب أي تكليف” يستطيع استخدامه لمواجهة أي عملية درس وتدقيق جديدة غير قانونية؛ إذ لا يمكن للإدارة تدقيق فترة ضريبية مدققة سابقا”وموضوعها الضرائب نفسها… إلاّ في حالاتٍ محدّدة جدًا.
ب- نتائج التدقيق : تكليف أو تكليف مباشر :
1 – التكليف الضريبي “الوجاهي”:
إنّ غالبية عمليات التدقيق تفضي إلى مقترحات تكليف أولية ومن ثمّ إلى إصدار التكليف الضريبي بصورة رسمية؛ وهي تتطلّب في كلتيْ الحالتيْن جوابًا من المكلّف.
1.1) مُهل مرور الزمن:
في سياق إنجاز إجراءات التدقيق ، لدى الإدارة الضريبية مهلة لتدارك حقوق الخزينة– المعرّفة عادةً بمهلة مرور الزمن – وذلك، ضمن مهلة أربع سنوات تسري بعد إنتهاء السنة التي تلي سنة الأعمال المالية الخاضعة للتدقيق (إذًا، عمليًّا خمس سنوات بعد إنتهاء السنة المالية المذكورة) من أجل إرسال إعلام التكليف. وتكون المهلة سبع سنوات للمكلّفين “المكتومين” أو غير المسجّلين.
بيد أنه يقتضي إرسال إعلام التكليف عن السنة المعنيّة، بالبريد المضمون قبل 31 كانون الثاني من آخر سنة ضمن مهلة مرور الزمن (أي الخامسة أو السابقة وفقاً للحال).
1.2) إقتراح التكليف:
إذا كشفت الإدارة الضريبيّة مخالفات في الملفّ موضوع التدقيق، يمكنها أن ترسل إشعارًا تضمّنه مقترحاتها الأولية للتكليف، محدّدةً مهلة ثلاثين يومًا للمكلف لإبداء ملاحظاته عليها خطيًّا.
تتضمّن مقترحات الإدارة الأخطاء الحسابيّة والسهو والقصور وعدم الدقّة وإخفاء مكونات أساسيّة لاحتساب مطرح الضريبة، وكذلك تخفيض النتائج والقرارات الإدارية.
إذا وافق المكلّف على مقترحات المراقب، تعمد الإدارة عندها إلى إصدار التكليف النهائي وتضع قيد التحصيل الضرائب الإضافيّة والغرامات المترتبة ذات الصلة؛ وتتراوح مروحة هذه الغرامات بحسب الضرائب المعنيّة وبحسب طبيعة المخالفات وأيضًا تؤخذ في الاعتبار حسن أو سوء نيّة المكلّف.
في المقابل، إذا لم يصل المكلّف والمراقب إلى اتفاق – أو إذا لم يُجب المكلّف خلال المهلة المحددة – تصبح التعديلات المقترحة ملزمة في إعلام ضريبي (بالتكليف) يُبلّغ إلى المكلّف.
1.3) تبليغ إعلام التكليف:
يجب تبليغ إعلام التكليف إلى المكلّف شخصيًّا عن طريق البريد المضمون على العنوان المختار المصرّح عنه مسبقًا للإدارة الضريبيّة. إنّ التبليغ باليد يعتبر قانونيًّا إذا ما اقترن بإشعار خطّي بالاستلام من المكلّف الّذي يكون قد سبق وصرّح عن هويته. وبالنسبة إلى الأشخاص المعنويّين، تُبلّغ إشعارات التكليف إلى ممثليهم القانونيين أو إلى الأشخاص المكّلفين منهم أصولا” وتحديدا” بتبلغ البريد.
أما وفي حال عدم وجود أي من الأشخاص الذين يمكن تبليغهم، أو تعذّر التبليغ مرتين متتاليتين، يمكن اللجوء عندها إلى التبليغ لصقًا على آخر عنوان معروف للمكلّف مع الطلب إلى المكلف المعني مراجعة الإدارة الضريبية المختصّة خلال مهلة ثلاثين يومًا؛ فضلا” عن نشر هذا الإعلام في جريدتين محليّتيْن وعلى الموقع الإلكتروني الخاص بوزارة المالية. ويُعتبر رفض المكلّف التبلّغ بمثابة التبلّيغ.
1.4) مضمون إعلام التكليف:
كي يكون قانونيًّا، يجب بالضرورة أن يُراعيَ الإعلام الضريبي بعض الشروط في الشكل وفي الأساس، منها ما يلي: (أوّلاً) إسم المكلّف موضوع التكليف وعنوانه ورقمه الضريبي. (ثانيًا) رقم وتاريخ الإعلام؛ (ثالثًا) الضرائب والسنوات موضوع التكليف؛ (رابعًا) المبلغ المطالب به أصلا” والغرامات؛ (خامسًا) طلب تسديد المبالغ المتوجبة ضمن المهلة القانونية؛ (سادسًا) بيان طرق التسديد الجائز اعتمادها؛ (سابعًا) مهل الاعتراض؛ وخصوصًا، (ثامنًا) تفصيل وتبرير قانوني وتقني لكل تعديل مع ذكر وتضمين أسباب التعديلات التي تم الإعتماد عليها من قبل المراقب وتكون مفصلة لناحية المخالفات الحاصلة والمواد القانونية أو التعليمات الإدارية التي ترعى تلك المخالفات أو تضمين التكليف رداً معللاً على ملاحظات المكلف مما يتيح للمكلف معرفة الوقائع والأسباب والملابسات التي تستند الإدارة إليها لإجراء التعديل ونتائجه لكي يتمكن من الدفاع عن نفسه، تقديم ملاحظاته، إبداء موافقته أو دحض ما هو موجه إليه من إتهامات. مع العلم بأن عدم مراعاة تلك الأصول لجهة التبرير يستتبع حكما” وحتما” سقوط وإبطال التكليف، كما بيّناه كل من مجلس شورى الدولة ولجنة الإعتراضات في أكثر من قرار.
علاوة على ذلك، ومن أجل تمييز وسائل المراجعة المتاحة، يجب أن يتضمّن الإعلام أيضا”، أسماء وعناوين المراقبين المولجين بمهمة التدقيق ورؤسائهم في التسلسل الإداري المباشرين أو المعينين من الإدارة للفحص والتدقيق في أي مسألة تتعلق في سير التدقيق، وكذلك توقيعهم.
مع العلم أنّ تبليغ الإعلام الضريبي بالتكليف لا يقطع الحوار مع المراقبين ورؤسائهم التسلسليين. بيد أنه يمكن للمكلّف أنّ يستوضحهم بطلب المعلومات الوافية وتزويدهم بتفسيرات جديدة تناقض أسباب التكليف (كليًّا أو جزئيًّا) وذلك، قبل الاعتراض أصولا” وتقديم طلب مراجعة في المهل المحدّدة.
2 – التكليف المباشر:
إن إجراءات الدرس والتكليف الوجاهية والتفاوضية الآنفة الذكر لا تصح ولا تستقيم إلاّ إذا وافق المكلّف على إجراء الحوار، ما يتيح للإدارة ممارسة حقّها في التدقيق في ظروف طبيعية. وفي حال تعذّر ذلك، يمكن للإدارة اللجوء تلقائيًّا إلى التكليف المباشر وفقا” للتقديرات والأسباب الّتي ترتئيها مبرّرة. وينطبق هذا الإجراء لا سيّما في الحالات حيث: (أولاً) لم يُقدم المكلّف التصاريح الضريبيّة ولم يسوِّ وضعه؛ (ثانيًا) لم يمسك المكلّف السجلات والمستندات المحاسبية والوثائق القانونيّة المفروضة؛ (ثالثًا) لم يعط الإدارة الضريبية المعلومات والتوضيحات والتبريرات التي تفيد إحتساب مطرح الضريبة؛ و(رابعًا) في حال كان يعارض المكلّف أو يعترض التدقيق الضريبي الّذي يطاوله.
يعتبر المشرّع أنّ عدم الإلتزام بما تقدم يُبرر أن تقوم الإدارة تلقائيًّا، مستندةً إلى المعلومات الّتي في حوزتها أو الّتي توفّرت لديها، بتحديد المطرح الضريبي على أساس الربح أو رقم الأعمال الخاضع للضريبة الذي تقدره هي.
على الرغم من أُحاديّته، لا يعتبر هذا الإجراء تعسفيًّا ويقتضي على الإدارة لزوما” أن تبين الطريقة الّتي اعتمدتها من أجل تقدير الربح أو رقم الأعمال هذا. وهنا يقع عبء الإثبات على المكلّف الّذي عليه تقديم البرهان على أنّ الطريقة الّتي اعتُمدت خاطئة وأن النتائج مبالغٌ فيها.
3 – تحصيل الضريبة:
إذا أعطى المكلّف المدين موافقته على المقترحات و/أو على التكاليف الّتي تبلّغها، أو إذا اعتبرت الملاحظات المقدّمة منه مبرّرة ومحقة، تعمد الإدارة إلى إصدار التكليف النهائي مرفقا” بالجداول وأوامر القبض المتوافق عليهم بين الطرفيْن.
في حال عدم الإجابة أو الاتفاق ضمن المهلة المعطاة، تعمد الإدارة أحاديا” إلى تحديد المطرح الضريبي وإحتساب الضريبة المترتبة مع إصدار إعلام بالتحصيل . كما ويعود لها حق إجراء مقاصة بين مختلف الضرائب المتوجبة و/أو المبالغ الضريبية الفائضة الناتجة عن زيادات حاصلة في التحصيل.
إنّ لإعلام التحصيل قوّة التنفيذ بعد المصادقة والتأشير عليه من قبل مديرية الواردات؛ على أن تعمد الإدارات المعنيّة إلى التحصيل وتطبيق غرامات التأخير في الدفع المحتملة (أي غرامات التحصيل بمعدل 1٪ شهريًّا من مقدار الضريبة غير المسددة و 1.5٪ شهريا” للمبالغ المقتطعة عند المنبع والضريبة على القيمة المضافة).
في حال رفض الامتثال، يتم البدء بإجراءات التحصيل الجبري الذي يشمل، من بين تدابير عدّة، تمتع الخزينة بإمتياز عام من الدرجة الأولى على جميع أموال المكلف يسمح لها بحجزها وبيعها بالمزاد العلني. إلاّ أنّه يبقى متاحا” وقف هذه الإجراءات في بعض الحالات المحدّدة.
أخيرًا، من الجدير ذكره أنّ تحصيل الضريبة يمكن أن يطاول، تطبيقًا لقاعدة التكافل والتضامن، ليس المكلّف فحسب (كشخص معنوي)، إنّما أيضا ممثليه وأصحاب الشأن (مدير الشركة المحدودة المسؤولية ورئيس مجلس إدارة و/أو مدير عام شركة مساهمة لبنانية) في حال التقصير أو التقاعس المتعمّد من قبل هؤلاء في إتمام التزاماتهم الضريبية العائدة للشخص المعنوي الّذي يمثّلون (على أن يكون ذلك بموجب حكم أو قرار قضائي). وهذا التدبير يعتبر حدثا” جديدا” بحيث أن الممارسة الإدارية السابقة كانت تقضي بإثبات فعل متعمّد واحتياليّ.
ج- طرق المراجعة المتاحة للمكلّف:
بالرغم من إتساع نطاق صلاحيات الإدارة الضريبية، يقضي مبدأ التوازن بأن تكون الحقوق وضمانات المكلّفين، بالمقابل، مؤمّنة بفاعليّة. وهنا تكمن أهمية وسائل المراجعة المتاحة لهم.
بالفعل، فإن إحدى السمات البارزة لهذا التقاضي الضريبي تتجلى في الموجب المترتب على المكلّف بأن يوجّه أوّلاً إعتراضه وتظلمّه للإدارة الضريبية نفسها من خلال مراجعة إدارية. بيد أنه لا يمكن الولوج إلى المرحلة اللاحقة من الإجراءات المتمثلة بالطعن بقرار الإدارة الضريبية أمام لجنة الاعتراض ذات الاختصاص النوعي والوظيفي والمكاني، وعند الإقتضاء إذا رغب في ذلك أحد الطرفيْن، أمام مجلس شورى الدولة، إلاّ بعد فشل المراجعة الإدارية وردّ الإعتراض.
1 – المراجعات الإدارية (في التسلسل الإداري) الاسترحاميّة:
هذه المراجعات يجب أن تُقدّم ضمن مهلة شهران (لتفادي سقوط الحق ورد الأعتراض شكلا”)، أمام الإدارة الضريبية (عادة” أمام الرئيس الإداري التسلسلي للمراقب الّذي درس الملف). ويجب أن يكون الإستدعاء مبرّرًا ومدعومًا بأدلة ووثائق تثبت الحجج. في هذه المرحلة من الإجراء، يتصرّف المكلّف بمفرده إلاّ إذا رغب في أن يساعده، في صورة بحت خاصّة واختياريّة، مستشار ضريبي أو محام أو مفوّض مراقبة.
هذا، وعلى الإدارة أن تنظر في الاعتراض ضمن مهلة ستة أشهر، قابلة للتجديد مرة واحدة لثلاثة أشهر إضافيّة فقط. وإلا، وفي حال عدم صدور أي قرار من قبلها يعتبر صمت الإدارة بمثابة قرار ضمني بقبول الاعتراض. ويجب أن يكون قرار (جواب) الإدارة مبرّرًا تحت طائلة مخالفة القانون ومبدأ الخصومة الإدارية، وبالتالي تعرضه لاحقا” للطعن والإسقاط أمام كل من لجنة الإعتراضات ومجلس شورى الدولة.
2 – لجان الإعتراضات :
إنّ المراجعات الإدارية الاسترحاميّة، رغم كونها تساعد على حلّ عددٍ لا يُستهان به من النزاعات، إلا أنها لا تشكل في الضرورة ضمانة كافية للمكلّف باعتبار أنّ الإدارة هي في الوقت عينه حكم وفريق. وبالتالي إذا لم يحصل المكلّف على مبتغاه، يمكنه إذًا استعمال حقوقه بعد ذلك أمام هيئة شبه قضائية، وهي لجنة الإعتراضات التي يرأسها قاضٍ وتكون مؤلّفة من ممثّلين عن كل من الإدارة (بما في ذلك مقرر من دون حقّ التصويت) والمكلّفين (عادة” أعضاء في غرفة التجارة والصناعة). مع العلم بأنه يوجد عدة لجان إعتراضات في مختلِف المحافظات ولديها ميزة مهمة تكمن في كونها أقل كلفة على المكلّف نظرا” لعدم إلزامية تمثله بمحامٍ أو بأن يودع في صندوق الخزينة مبلغ التأمين بواقع 5٪ من قيمة المبالغ المعترض عليها، الّذي يفرضه مجلس شورى الدولة لقبول المراجعة (الإستئناف).
وتجدر الإشارة في هذا السياق، بأنه كان من المفترض بأن تُستبدل هذه اللجان بمحاكم إداريّة ذات اختصاص مكاني، إلا أنه قد تم الإبقاء عليها وعلى إختصاصها نظرا” لكون المراسيم التطبيقيّة للقانون، الّذي أعاد تنظيم مجلس شورى الدولة، لم تُطبّق قطّ منذ إقراره في العام 2000.
هذا، ويقتضي تقديم مراجعة الطعن أمام لجنة الإعتراضات ضمن مهلة الشهرين من تاريخ تبلغ قرار الإدارة بنتيجة درس الإعتراض .
وعلى اللجنة تبرير قرارها عبر إبداء الأسباب الدقيقة الّتي بموجبها تؤكد أو ترفض التكليف أو التكليف المباشر(أو تعدّلها) بحيث يتمكّن المكلّف من الاطّلاع بدقة على ما أُسند إليه من إتهامات وعلى تأثير التكليف عليه. وإنّ تجاهل شرط التبرير يؤدي إلى إبطال القرار (وبالتالي التكليف) لعيب في الشكل كما حكم مجلس شورى الدولة في كثير من المراجعات.
يشوب هذه اللجان شبه القضائية عيبٌ كبير، وهو أّنها ليست ملزمة بأيّ مهلة محددة وصريحة لاتخاذ قرارها. وبالتالي تميل الملفات إلى أن تتراكم في ظل عدم صدور قرارات بأجوبة واضحة وفاصلة، مما يستتبع عدم قدرة المكلفين على إيقاف سريان واحتساب الغرامات الملقاة على عاتقهم، باعتبار أنّ الاعتراض في المسائل الضريبية لا يوقف الدفع.
3 – المراجعة أمام مجلس شورى الدولة :
يحق لكل من المكلّف والإدارة الضريبيّة على حدٍّ سواء إستئناف قرار لجنة الإعتراضات أمام مجلس شورى الدولة خلال مهلة شهرٍ واحد من تاريخ تبلغ قرار اللجنة إذا لم يكن في صالحهما. هذا الطعن يجب أن يُقدّمه محام أمام المحكمة مصحوبًا بإيداع في صندوق الخزينة مبلغ التأمين وقيمته 5٪ من قيمة المبالغ المعترض عليها. ليس لهذا الطعن أي أثر لجهة وقف التنفيذ ما لم يقرّ ذلك المجلس بداية” بناء على طلب صريح في حال كان من شأنه إلحاق الضرر البليغ.
إنّ الدوافع الضريبيّة الّتي يمكنها أن تبرّر المراجعة أمام مجلس شورى الدولة ترتكز سيما على: أوّلاً، عدم إختصاص السلطات وتجاوز حدّ السلطة، ثانيًا، العيب في الشكل، ثالثًا، انتهاك القواعد الإجرائية العامّة، رابعًا، مخالفة القواعد القانونية، وخامسًا تفسير النصوص والأنظمة التي أُرسلت للمراجعة و/أو الموافقة عليها.
كما أنه يعود أيضا” للمكلّف مراجعة مجلس شورى الدولة مباشرة للتظلم من تجاوز حد السلطة و/أو تحوير وسوء استخدام السلطة. ويحق للمجلس بالتالي غبطال الأعمال والقرارات الإدارية الأحاديّة الّتي يشوبها عدم شرعية والتي أدت إلى فرض ضرائب أو تكاليف.
بالفعل، فإن “فضاحة المخالفة المرتكبة تجعل من الفعل أو الإجراء المشكو منه والصادر على الشكل المذكور، عملا” أو قراراً معدوماً وليس باطلاً فحسب”. بيد أن مجلس شورى الدولة مخوّل ليس فقط للإبطال
ولكن أيضًا لإصلاح الفعل المتنازع عليه. هذا المجرى القانوني يعطي قدرة الاعتراض على أفعال مختلفة “منفصلة” من الإجراء الضريبي الأساس، وأيضًا بعض الأفعال التنظيمية والتعليمات الصادرة عن الإدارة الضريبية.